الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقال الراغب: الجرز منقطع النبات من أصله وأرض مجروزة أكل ما عليها، وفي مثل لا ترضى شانئة إلا بحروزة أي بالاستئصال، والجارز الشديد من السعال تصور منه معنى الجرز وهو القطع بالسيف اه، ويفهم مما قاله أن الجرز يطلق على ما انقطع نباته لكونه ليس من شأنه الإنبات كالسباخ وهو غير مناسب هنا لقوله تعالى: {فَنُخْرجُ به زَرْعًا} والظاهر أن المراد الأرض المتصفة بهذه الصفة أي أرض كانت، وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن أنها قرى بين اليمن والشام وأخرج هو وابن جرير وابن المنذر وابن أبي شيبة عن ابن عباس أنها أرض باليمن، وإلى عدم التعيين ذهب مجاهد، أخرج عنه جماعة أنه قال: الأرض الجرز هي التي لا تنبت وهي أبين ونحوها من الأرض وقرىء {الجرز} بسكون الراء، وضمير {به} للماء والكلام على ظاهره عند السلف الصالح وقالت الأشاعرة: المراد فنخرج عنده، والزرع في الأصل مصدر وعبر به عن المرزوع والمراد به ما يخرج بالمطر مطلقًا فيشمل الشجر وغيره ولذا قال سبحانه: {تَأْكُلُ منْهُ} أي من ذلك الزرع {أنعامهم} كالتبن والقصيل والورق وبعض الحبوب المخصوصة بها {وَأَنفُسهمْ} كالبقول والحبوب التي يقتاتها الإنسان، وفي البحر يجوز أن يراد بالزرع النبات المعروف وخص بالذكر تشريفًا له ولأنه أعظم ما يقصد من النبات، ويجوز أن يراد به النبات مطلقًا، وقدم الأنعام لأن انتفاعها مقصور على ذلك والإنسان قد يتغذى بغيره ولأن أكلها منه مقدم لأنها تأكله قبل أن يثمر ويخرج سنبله، وقيل ليرتقي من الأدنى إلى الأشرف وهو بنو آدم.وقرأ أبو حيوة وأبو بكر في رواية {يَأْكُلُ} بالياء التحتية {أَفَلاَ يُبْصرُونَ} أي ألا يبصرون فلا يبصرون ذلك ليستدلوا به على كمال قدرته تعالى وفضله عز وجل، وجعلت الفاصلة هنا {يُبْصرُونَ} لأن ما قبله مرئى وفيما قبله {يَسْمَعُونَ} لأن ما قبله مسموع، وقيل: ترقيا إلى الأعلى في الاتعاظ مبالغة في التذكير ورفع العذر.وقرأ ابن مسعود {تُبْصرُونَ} بالتاء الفوقية.{وَيَقُولُونَ} على وجه التكذيب والاستهزاء {متى هذا الفتح} أي الفصل للخصومة بينكم وبيننا، وكأن هذا متعلق بقوله تعالى: {إنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة فيمَا كَانُوا فيه يَخْتَلفُونَ} [السجدة: 25] وقيل: أي النصر علينا، ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة قال: قال الصحابة رضي الله تعالى عنهم إن لنا يومًا يوشك أن نستريح فيه وننتقم فيه فقال المشركون: متى هذا الفتح الخ فنزلت {وَيَقُولُونَ متى هذا الفتح} {إن كُنتُمْ صادقين} أي في أن الله تعالى هو يفصل بين المحقين والمبطلين، وقيل: في أن الله تعالى ينصركم علينا.{قُلْ} تبكيتا لهم وتحقيقًا للحق {يَوْمَ الفتح لاَ يَنفَعُ الذين كَفَرُوا إيمانهم وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ}.أخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: يوم الفتح يوم القيامة، وهو كما في البحر منصوب بلا ينفع، والمراد بالذين فكروا إما أولئك القائلون المستهزئون فالأظهار في مقام الإضمار لتسجيل كفرهم وبيان علة الحكم، وإما ما يعمهم وغيرهم وحينئذ يعلم حكم أولئك المستهزئين بطريق برهاني، والمراد من قوله تعالى: {وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ} استمرار النفي، والظاهر أن الجملة عطف على {لاَّ ينفَعُ} الخ والقيد معتبر فيها، وظاهر سؤالهم بقولهم {متى هذا الفتح} [السجدة: 28] يقتضي الجواب بتعيين اليوم المسؤول عنه إلا أنه لما كان غرضهم في السؤال عن وقت الفتح استعجالًا منهم على وجه التكذيب والاستهزاء أجيبوا على حسب ما عرف من غرضهم فكأنه قيل لهم: لا تستعجلوا به ولا تستهزؤوا فكأني بكم وقد حصلتم في ذلك اليوم وآمنتم فلم ينفعكم الإيمان واستنظرتم في إدراك العذاب فلم تنظروا، وهذا قريب من الأسلوب الحكيم.هذا وتفسير {يَوْمَ الفتح} بيوم القيامة ظاهر على القول بأن المراد بالفتح الفصل للخصومة فقد قال سبحانه: {إنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة} [السجدة: 25] ولا يكاد يتسنى على القول بأن المراد به النصر على أولئك القائلين إذا كانوا عانين به النصر والغلبة عليهم في الدنيا كما هو ظاهر مما سمعت عن مجاهد، وعليه قيل: المراد بيوم الفتح يوم بدر، وأخرج ذلك الحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وقيل: يوم فتح مكة، وحكى ذلك عن الحسن ومجاهد، واستشكل كلا القولين بأن قوله تعالى: {يَوْمَ الفتح لاَ يَنفَعُ الذين كَفَرُوا إيمانهم} ظاهر في عدم قبول الإيمان من الكافر يومئذ مع أنه آمن ناس يوم بدر فقيل منهم وكذا يوم فتح مكة.وأجيب بأن الموصول على كل منهما عبارة عن المقتولين في ذلك اليوم على الكفر، فمعنى لا ينفعهم إيمانهم انهم لا إيمان لهم حتى ينفعهم فهو على حد قوله: سواء أريد بهم قوم مخصوصون استهزؤوا أم لا وسواء عطف قوله تعالى: {وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ} على المقيد أو على المجموع فتأمل.وتعقب بأن ذلك خلاف الظاهر، وأيضًا كون يوم الفتح يوم بدر بعيد عن كون السورة مكية وكذا كونه يوم فتح مكة، ويبعد هذا أيضًا قلة المقتولين في ذلك اليوم جدا تدبر.{فَأَعْرضْ عَنْهُمْ} ولا تبال بتكذيبهم واستهزائهم، وعن ابن عباس أن ذلك منسوخ بآية السيف، ولا يخفى أنه يحتمل أن المراد الاعراض عن مناظرتهم لعدم نفعها أو تخصيصه بوقت معين فلا يتعين النسخ.{وانتظر} النصرة عليهم وهلاكهم {إنَّهُمْ مُّنتَظرُونَ} قال الجمهور: أي الغلبة عليكم كقوله تعالى: {فَتَرَبَّصُوا إنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبّصُونَ} [التوبة: 52] وقيل: الأظهر أن يقال: إنهم منتظرون هلاكهم كما في قوله تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إلاَّ أَن يَأْتيَهُمُ الله في ظُلَلٍ مّنَ الغمام} [البقرة: 210] الآية، ويقرب منه ما قيل: وانتظر عذابنا لهم إنهم منتظرون أي هذا حكمهم وإن كانوا لا يشعرون فإن استعجالهم المذكور وعكوفهم على ما هم عليه من الكفر والمعاطي في حكم انتظارهم العذاب المترتب عليه لا محالة.وقرأ اليماني {مُنتَظرُونَ} بفتح الظاء اسم مفعول على معنى أنهم أحقاء أن ينتظر هلاكهم أو أن الملائكة عليهم السلام ينتظرونه والمراد أنهم هالكون لا محالة هذا. اهـ.
فالأرض الجرز: التي انقطع نبتها.ولا يقال للأرض التي لا تنبت كالسباخ جرز.والزرع: ما نبت بسبب بذر حبوبه في الأرض كالشعير والبر والفصفصة وأكل الأنعام غالبه من الكلأ لا من الزرع فذكر الزرع بلفظه ثم ذكر أكل الأنعام يدل على تقدير: وكلأ.ففي الكلام اكتفاء.والتقدير: ونخرج به زرعا وكلأ تأكل منه أنعامهم وأنفسهم.والمقصود: الاستدلال على البعث وتقريبه وإمكانه بإخراج النبت من الأرض بعد أن زال؛ فوجه الأول.وأدمج في هذا الاستدلال امتنان بقوله: {تأكل منه أنعامهم وأنفسهم} ثم فرع عليه استفهام تقريري بجملة {أفلا يبصرون}.وتقدم بيان مثله آنفا في قوله: {أفلا يسمعون}.ونيط الحكم بالإبصار هنا دلالة إحياء الأرض بعد موتها دلالة مشاهدة.{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إنْ كُنْتُمْ صَادقينَ (28)}.يجوز أن يكون عطفًا على جملة {ثم أعرض عنها} [السجدة: 22]، أي: أعرضوا عن سماع الآيات والتدبر فيها وتجاوزوا ذلك إلى التكذيب والتهكم بها.
|